الخميس، 3 يوليو 2008

لمحة عن تاريخ دمشق 1


العهد الآرامي وما قبله

لم تنشأ دمشق في العهد الآرامي ولاشك بأنها وجدت قبل هذا العهد وعرفت مراحل طويلة في تاريخ نشأتها واستقرار الإنسان القديم فيها وقد عثر في بعض التنقيبات الأثرية على فخار يرجع إلى عهد البرونز القديم أي إلى حوالي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد.
وتؤيد الوثائق الفرعونية التي عثر عليها في كل العمارنة على وجود دمشق قبل العهد الآرامي وورد اسمها " دمشقا"...
ثم كانت دمشق موطنا للشعب الآرامي في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد حيث انطلقت قبائل هذا الشعب من الجزيرة العربية واستقرت في بلاد الشام حيث أسست دويلات كانت دولة دمشق
الآرامية أعظمها واشهرها. أطلق الآراميون على هذه المدينة اسم "دراميسيق " وتعني الدار المسقية وحور اليونان والرومان الاسم إلى داماسكوس وبقي اسمها عند العرب حتى اليوم دمشق.. كانت مملكة دمشق الآرامية في غالب أيامها زعيمة للدويلات الآرامية في بلاد الشام لصد الغزو الآشوري إلى أن وقعت بأيدي الملك الآشوري تغلات فلازار الثالث عام 734 ق.م.
وفي القرن السابع قبل الميلاد يتغلب على دمشق الكلدانيون إلى أن احتلها الفرس حوالي 538 ق.م.
يعتبر غزو الاسكندر المقدوني لسورية عام 333ق.م نقطة تحول كبير في تاريخ المنطقة عامة وتاريخ دمشق خاصة.

العهد اليوناني - المكدوني

ارتبط تاريخ دمشق منذ الغزو المكدوني بالغرب لفترة تقدر بحوالي عشرة قرون وكانت بلاد الشام بعد الاسكندر من نصيب خلفائه السلوقيين الذين أولوا دمشق عناية كبيرة بينما كانت عاصمتهم في معظم أيامهم مدينة إنطاكية وقد حرمت دمشق من الاستقرار لاستمرار النزاع حولها بين السلوقيين في الشام والبطالمة في مصر.
عرفت دمشق في هذه الفترة من تاريخها ازدهار الحضارة الهلنستية التي تمازجت فيها عناصر الثقافة اليونانية مع حضارة الشرق وثقافته وانتشرت بين أبناء دمشق لغة اليونان وثقافتهم وفنونهم..
وخلال أواخر العهد اليوناني السلوقي ازدهر في جنوب بلاد الشام دولة عربية هي دولة الأنباط وعاصمتها البتراء وامتد سلطانها على أراضي الأردن وحوران ووصل نفوذ ملوكها مرتين إلى دمشق وذلك عام 85ق.م في عهد الملك الحارث الثالث, وفي عام 37م في أيام الملك الحارث الرابع وكانت بلاد الشام بما فيها دمشق قد غدت تابعة لحكم الرومان

العهد الروماني

طويت صفحة العهد اليوناني في دمشق عام 64ق.م عندما دخلتها جيوش الرومان وعرفت دمشق في هذا العهد نشاطا تجاريا واسعا مستفيدة من كونها محطة رئيسية على طريق القوافل ومن اتساع الإمبراطورية الرومانية ، وأفادها تدفق الأموال عليها في تطورها العمراني .
وأصبحت دمشق في عهد الإمبراطور هادريان حاملة لقب متروبول _ أي مدينة رئيسية _ثم حملت لقب مستعمرة رومانية في عهد الإمبراطور سيبتيم سيفير, ولمع من أبنائها مهندسون وقد وصلت شهرة أحدهم " أبولودور الدمشقي " إلى روما.
وفي أواخر القرن الرابع الميلادي انقسمت الإمبراطورية الرومانية وغدت دمشق من أملاك الجزء الشرقي من هذه الإمبراطورية وهي الذي عرف باسم الدولة البيزنطية وأصبحت دمشق مركزاً عسكريا مهما في مواجهة الفرس الساسانيين كما غدت من أهم مراكز الدولة العربية التي قامت في بلاد الشام وهي دولة الغساسنة, وتقع دمشق بيد الفرس عام 612م ويستعيدها الروم بعد خمسة عشر عاماً على يد هرقل عام 627م. ولم تلبث أن عادت إلى حكم العرب بعد أن حررتها جيوش العرب المسلمين عام 14هـ/ 635م.

دمشق في العهد العربي الإسلامي

حاصرت الجيوش العربية الإسلامية دمشق ودخلها من غربها أبو عبيدة ودخلها من شرقها خالد بن الوليد, ولم يصبها على أيدي محرريها الجدد أي خراب أو تدمير ولم يحدث فيها قتل أو إراقة دماء بين أبنائها وأقام الفاتحون مع أبناء المدينة في جو من التسامح والتعاون ندر مثيله في تاريخ الفتوح حتى كان المسلمون والمسيحيون يقيمون صلواتهم في معبد واحد كل منهم في جانب من جوانبه.
أصبحت لدمشق في العهد الأموي مكانة ممتازة حيث غدت عاصمة للدولة العربية الإسلامية الفتية فتحولت على يد معاوية بن أبي سفيان من مركز ولاية إلى عاصمة دولة كبرى لم تلبث أن وصل نفوذ حكامها إلى حدود الصين شرقا والى مياه الأطلسي غربا ويعتبر العهد الأموي العصر الذهبي لمدينة دمشق قامت فيها خلاله قصور الخلفاء وامتدت مساحة العمران وكان من أهم أبنيتها في هذا العهد وما يزال قائما حتى اليوم جامع بني أمية الكبير الذي تم بناؤه في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ولا يزال يعتبر من أجمل الأبنية العربية الإسلامية في العالم.
وامتد هذا العهد الأموي حتى عام 132هـ/750 م حيث حدث ما أثر على دمشق و أدى إلى خسارتها لمكانتها وذلك بعد انتهاء عهد بني أمية وابتداء العهد العباسي.
في العهد العباسي خسرت دمشق مركزها كعاصمة حين اتخذ العباسيون من مدينة الكوفة في العراق عاصمة لهم. ودخلت جيوشهم دمشق لتقضي فيها على خصومهم من رجال بني أمية وتمحو أثارهم. وهكذا غربت شمس دمشق بعد أن استمر إشراقها خلال سنوات العهد الأموي. وبدأت سحب الظلام تخيم على دمشق على مر الأيام وسقطت فريسة للثورات والفتن والاضطرابات وما يرافق ذلك من فوض وخراب ودمار.
أصبحت دمشق حوالي منتصف القرن الثالث للهجرة 254هـ/ 868م تابعة للدولة الطولونية في مصر الموالية لدولة الخلافة العباسية في بغداد.
ثم عادت دمشق إلى حكم بغداد المباشر بعد زوال الدولة الطولونية عام 292هـ/904م
وفي عام 323هـ/934م قامت في مصر الدولة الإخشيدية واستمرت من خلالها سيادة الخلافة العباسية على مصر والشام إلا أن هذه السيادة زالت نهائيا عن مصر والشام بقيام الدولة الفاطمية التي دخلت قواتها إلى هذه المنطقة عام 358هـ/968م وأصبحت دمشق مرتبطة بالخلافة الفاطمية التي انتقلت عاصمتها من المهدية في تونس إلى القاهرة في مصر.
تعرضت دمشق خلال هذه الفترة من تاريخها أي خلال عهد الطولونيين والإخشيديين والفاطميين لحروب وغزوات صراعاً على السلطة والنفوذ والسيادة وكان من أشدها غزوات القرامطة الذين احتلوها عدة مرات خلال السنوات 293 و360 و361 و 362هـ وقد أصاب دمشق نتيجة لذلك الكثير من الخراب والنهب والدمار.

العهد الفاطمي

عرفت دمشق خلال هذا العهد بعض الثورات ضد هذا الحكم رداً على الفساد والظلم وانتشر الخراب في كثير من أحيائها ونجح أهل دمشق بطرد الفاطميين عام 363هـ/973م واستغل الروم هذه الظروف واجتاحت قواتهم ثغور بلاد الشام الشمالية ووصلت إلى حمص وبعلبك.
نجح الفاطميون بالعودة إلى دمشق وسيطروا عليها مدة قرن وصلت خلاله دمشق إلى حالة سيئة من التأخر والفوضى فتدهورت أوضاعها الاقتصادية والعمرانية فضلاً عن أوضاعها السياسية فقل عدد سكانها وانتشر فيها الفقر والغلاء.
استمر العهد الفاطمي في دمشق من 358هـ/968م حتى 468هـ/1075م


عهد السلاجقة الأتابكة

عادت السيادة على دمشق لخلافة بغداد العباسية على أيدي قادة من الأتراك عرفوا باسم السلاجقة كان الحكم الفعلي بأيديهم كما وصل الحكم عن طريقهم إلى بعض الأتابكة /وكان الأتابك هو الوصي أو المربي للأمراء من أبناء السلاجقة / وكان الاتابكة يعلنون ولاءً اسميا لخلفاء بغداد بينما يحكمون دمشق حكما مستقلا من الناحية الفعلية.
تحمل أتابكة دمشق مسؤولية الدفاع ضد الغزاة الصليبيين الذين كانوا قد نجحوا باحتلال الساحل السوري ومعظم مناطق فلسطين, وكانت علاقات اتابكة دمشق مع الصليبيين بين حالة حرب وحالة هدنة وقد وصلت أعمال القتل والتخريب والدمار على أيدي الصليبيين إلى جوار دمشق وضواحيها في بعض الفقرات ونجحت دمشق بالصمود ضد هؤلاء الغزاة ونجت من الوقوع بأيديهم رغم محاولاتهم التي وصلوا في أولها إلى مسافة بضعة كيلومترات جنوب دمشق وتكررت محاولة الصليبيين في حملتهم الثانية وتعرضت دمشق لحصارهم سنة 543هـ/1149م حيث شارك في حصارها ملك الألمان (كونراد الثالث ) وملك فرنسا (فرنسوا السابع ) وعسكرت قواتهم في منطقة داريا وقرب منطقة المزة وقاومت دمشق ببسالة بفضل أتابكها "معين الدين أنر" الذي استعمل وسائل الحرب والسياسة حتى أنقذ دمشق من دخول الصليبيين.
خرجت دمشق من محنتها رافعة الرأس عزيزة الجانب وازداد تطلع أبناء دمشق بطل تلك الفترة الذي انتشرت أخبار حسن سيرته وعدله وبطولاته وإخلاصه إنه نور الدين محمود زنكي الذي دخل دمشق عام 549هـ/1154م ومهيأ حكم البوريين ومصمماً على توحيد المشرق العربي لطرد الغزاة الصليبيين من الوطن العربي ونجح البطل نور الدين بمد نفوذه إلى مصر بوساطة احد قادته أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي لإنقاذ مصر من الخطر الصليبي الذي كان يتهددها. وانتهت محاولة نور الدين بقتل الوزير الفاطمي الخائن (شاور) المتعاون مع الصليبيين على يد قائده أسد الدين، وذلك عام 564هـ/1168م وأعقب ذلك وفاة الخليفة الفاطمي العاضد سنة 567هـ /1171م وانتهت بموته فترة الحكم الفاطمي وغدت مصر والشام دولة واحدة وارتفعت مكانة دمشق التي غدت المركز الأول للنشاط السياسي والعسكري في المشرق العربي.

ليست هناك تعليقات: