الخميس، 3 يوليو 2008

لمحة عن تاريخ دمشق 2


العهد الأيوبي

توفي نور الدين في دمشق عام 569هـ/1174م ويستقر الحكم بعده إلى قائده في مصر صلاح الدين وذلك لصغر سن ابنه وخطورة الظروف المحدقة ببلاد الشام ومصر من وجود الصليبيين وتدفق قواتهم من أوروبا وهذا ما دفع بالعقلاء من أبناء دمشق لاستدعاء صلاح الدين من مصر وبايعوه سلطانا على بلاد الشام ويأتي السلطان صلاح الدين إلى دمشق ليجعل منها عاصمة ثانية لسلطنته متنقلاً بينها وبين القاهرة لكنه فضل الاستقرار في دمشق لقربها من ميادين عملياته العسكرية وبخاصة لقربها من فلسطين التي كان يخطط لتحريرها من الغزاة الصليبيين. وحقق صلاح الدين ما أراده وهزم الصليبيين في حطين وحرر منهم بيت المقدس فكانت هذه الانتصارات ثمرة توحيد بلاد الشام ومصر وتوفي صلاح الدين في دمشق وكانت وفاته عام 589هـ/1193م وبوفاته ضعفت الدولة الأيوبية رغم محاولات أخيه الملك العادل حماية الدولة من التجزئة على أيدي أبناء صلاح الدين واستمر الخلاف بين أبناء الملك العادل بعد وفاته وتصاب دمشق نتيجة لذلك بالبلاء والدمار والحصار والحريق وينتهي العهد الأيوبي بما يشبه الانقلاب العسكري الذي قام به قادة الجيش في مصر وهم من المماليك فقتلوا أخر حكام الدولة الأيوبية توران شاه عام 648هـ/1250م وذلك في مصر بينما انتهى حكم الأيوبيين في الشام بوصول حملة المغول التي قادها هولاكو عام 658هـ/1259م وسقطت دمشق بأيديهم بعد أن سبقتهم أخبار تدميرهم لبغداد ومذابحهم في حلب وصمدت قلعة دمشق شهراً لحصار المغول ثم سقطت كغيرها ومن حسن حظ دمشق وبلاد الشام أن هذه الحملة المغولية هزمت هزيمة نكراء في معركة عين جالوت على أيدي حكام مصر الجدد من قادة المماليك وعلى رأسهم السلطان المظفر قطز.


عهد المماليك

ابتدأ هذا العهد عام 658هـ/1259م وعادت الوحدة تجمع مصر والشام ولم يكن انسحاب المغول من دمشق بعد هزيمتهم في عين جالوت أخر وجود لهم يهدد بلاد الشام بل استمرت غاراتهم وكان أخرها وأشدها سوءً على دمشق حملة تيمورلنك عام 803هـ/1400م فقد نال دمشق وسكانها من هؤلاء المغول الدمار والهلاك ورغم ذلك فقد استعادت بسرعة بعد انسحابهم نشاطها ولقيت عناية كبيرة من سلاطين المماليك الذين اقتضت ظروف قتالهم لبقايا الصليبيين إقامتهم في عاصمتهم الثانية دمشق فكانت ولاية دمشق من اكبر واهم ولايات السلطنة المملوكية وعرفت باسم "نيابة الشام" وتمتد حدودها إلى الفرات والرستن شرقا وشمالا والى البحر المتوسط غربا والى غزة والكرك جنوباً. وكان يكلف والي دمشق بالإشراف على بقية الولايات وهي: حلب وحماة وطرابلس وصفد والكرك. ولهذا كان والي دمشق.يحمل لقب نائب السلطنة أو نائب الشام . .
وقامت في عهد المماليك أعمال عمرانية وإصلاحات واسعة منها عدد كبير من المساجد والمد ارس ونعمت دمشق في عهد بعض السلاطين والأمراء مثل السلطان الظاهر بيبرس والسلطان قلاوون والأمير تنكز بكثير من الاستقرار فازدهرت الحركة العلمية ومدارسها والفنون والعمران كما نشطت الصناعة والتجارة. وتنتهي هذه الفترة من النهضة والنشاط بالكارثة التي حلت في دمشق بغارة تيمورلنك عليها وما رافق ذلك من تدمير ونهب وقتل وسبي وإحراق وقد عمها الخراب واكلتها النيران فكانت جريمة حملة تيمورلنك لا تعرف الحدود في تدميره أجمل مدن الشرق وأعظمها شهرة وعراقة
ومع ذلك فقد نهضت دمشق من كبوتها في اقل من ربع قرن وأخذت تستعيد جمالها بالعمران والنشاط الصناعي والتجاري لكن ضعف عهد المماليك وسوء سلاطينهم في المرحلة الأخيرة من هذا العهد أدى إلى فساد وتخلف وفقر ومجاعات وأوبئة وقتال بين الفئات المتصارعة حول السلطة والحكم إلى أن انتهى عهد المماليك على يد الدولة العثمانية.

العهد العثماني

طويت صفحة المماليك في بلاد الشام بانتصار السلطان العثماني سليم الأول في معركة مرج دابق عام 922هـ/1516م وتبد أ دمشق صفحة جديدة من تاريخها حيث أصبحت جزءاً من الدولة العثمانية وكان قبول أبنائها للحكم الجديد يعود إلى ما أصابهم من ظلم ومارأوه من فساد وسوء أوضاع في أخر عهد المماليك فبنوا أمالا على سلاطين الدولة الجديدة مع ما يلازم ذلك من رابطة دينية بينهم وبين الأتراك.
وإذا كانت دمشق قد شعرت بالاستقرار والاطمئنان وهي في ظل دولة قوية تحميها من خطر الغزاة الأجانب _كالصليبيين والمغول _ وبقيت دمشق على صلة بالعالم الخارجي عن طريق التجارة التي كانت تزدهر لشهرتها ببعض الصناعات
ومن أهم أحداث دمشق خلال القرن التاسع عشر فتح محمد علي باشا والي مصر لبلاد الشام على يد ابنه إبراهيم باشا وامتدت فترة هذا الحكم من 1831م حتى عام 1840م وكانت دمشق مركز أو عاصمة لبلاد الشام خلال الحكم المصري الذي عرف بالتفتح فنشطت الحركة العلمية وكثر قدوم الأجانب من تجار وسواح وفتحت في دمشق بعض القنصليات وكانت أولها القنصلية البريطانية.
وقد حظيت دمشق ببعض الولاة المصلحين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من أمثال: الوالي ناظم باشا والوالي مدحت باشا وعاشت نشاطاً عمرانياً مميزاً, وفي عام 1908م قامت جماعة الإتحاد والترقي التركية الذين اتصفوا بالعصبية والعنصرية بانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني وتسلمت الحكم بنفسها واتبعوا سياسة التتريك والقمع ضد الشعب العربي فكانت اليقظة العربية واخذ العرب يسعون إلى حكم لا مركزي في بداية الأمر ثم تطور الأمل إلى مطالبتهم بالاستقلال الكامل وانفصالهم عن حكم الاتحاديين الأتراك.
وجاءت الحرب العالمية الأولى عام 1914م لتكون منعطفا كبيرا وحاسما في تاريخ المنطقة وخلالها شهدت ساحة الشهداء في دمشق إعدام عدد من قادة الحركة القومية العربية في 6/5/1916م وفي 10/6/1916م تفجرت الثورة العربية الكبرى ودخل جنودها دمشق في مطلع تشرين أول عام 1918م وارتفع العلم العربي _ علم الثورة العربية الكبرى _فوق مدينة دمشق.


العهد العربي

أعلن في دمشق ومن قبل المؤتمر السوري _ أول مجلس نواب _ استقلال سورية (سورية الطبيعية أي بلاد الشام ) وتم تتويج فيصل بن الحسين ملكا عليها وذلك في 7و8 آذار 1920م واستمرت الدولة العربية لمدة سنتان طويت من بعدها صفحة الحرية والاستقلال وذلك بعد معركة ميسلون 24/7/1920م مع القوات الفرنسية الغازية

فترة الاستعمار الفرنسي

ارتفع اسم دمشق في مقاومة الاحتلال الفرنسي وكان لأبنائها الدور الكبير في الثورة السورية الكبرى 1925/1927م كما ارتفع اسمها وعظمت شهرتها في حوادث الإضراب الستيني عام 1936م واستمرت حركات النضال الوطني والمقاومة البطولية حتى قيام الحرب العالمية الثانية وفي أعقاب هذه الحرب وقفت دمشق بشموخ تدافع عن كرامتها وحريتها بدماء أبنائها في حوادث عدوان 29 أيار 1945م وخرجت دمشق ناصعة الجبين ر!فعة الرأس تتحدث عنها صحف العالم في صمودها وبطولاتها إلى أن كان جلاء القوات ا لأجنبية عنها وعن الأرض العربية السورية واحتفلت رسميا بذلك في يوم خالد لاتنساه الأجيال العربية في سورية وذلك في 17/نيسان /1946م.

العهد الوطني

عاد لدمشق وجهها العربي الحر الأصيل وهي عاصمة للجمهورية العربية السورية وأخذت تسعى لتكون بحق قلب الأمة العربية ولتقوم بأداء مهمتها القومية والتحررية على صعيد الوطن العربي الكبير وحين بدأت تخطو في مجالات التقدم والرقي في جميع الميادين وبخاصة الثقافية والعمرانية والاقتصادية والعسكرية ظهرت في طريقها عقبة خطيرة جعلتها توجه كل طاقاتها وإمكانياتها للقضاء على الخطر الكبير وهو خطر المؤامرة الاستعمارية المتمثلة بدعم الصهاينة لإقامة كيان لليهود في فلسطين العربية وغدت دمشق مركزاً لتجمع كل متطوع للدفاع عن عروبة فلسطين وإنقاذها واتجهت أنظار العرب إلى دمشق لتتابع منها حركة المقاومة المتمثلة بقوات جيش الإنقاذ.
وحدثت حرب فلسطين 1948 بين العرب وفي مقدمتهم دولة سورية الفتية الناشئة وبين الكيان الصهيوني في فلسطين وتآمرت قوى الشر في العالم ضد الحق العربي وقام الإخطبوط الخبيث ليهدد المصير العربي وتقف دمشق ممثلة للشموخ العربي والصمود في وجه الخطر الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية والاستعمار الغربي.
وبعد سلسلة من الانقلابات العسكرية في دمشق ينتهي المطاف بتحقيق أمل طالما كانت تسعى دمشق إلى تحقيقه وهو إقامة وحدة جمعت بين مصر وسورية عام 1958م وغدت دمشق عاصمة للإقليم الشمالي لدولة الوحدة في الجمهورية العربية المتحدة وبقيت القاهرة عاصمة للإقليم الجنوبي وعاصمة لدولة الوحدة. ويخبو شعاع الأمل عندما تم فصم عرى الوحدة بنكسة الانفصال عام 1961م وتعم الفوضى ويزداد الغضب الجماهيري يوما بعد يوم إلى أن كانت ثورة 8 /آذار/1963م وعاد إلى دمشق الوجه العربي المشرق وعرفت دمشق نهضة عمرانية واسعة وبصورة خاصة بعد قيام الحركة التصحيحية التي قادها القائد الراحل حافظ الأسد عام 1970م وتم خلالها تدشين العشرات من معالم الحضارة والعمران من مدارس ومعاهد وكليات وأبنية للمدينة الجامعية ومكتبة الأسد الوطنية والفنادق والطرق والأنفاق والجسور مما لم تشهد له دمشق مثيلاً من قبل وازدادت أعمال التشجير وبخاصة على سفوح جبل قاسيون المطل على مدينة دمشق, وفي 10/6/2000م رحل القائد بعد مسيرة مظفرة من العمل والإنجاز, وبتاريخ 15/7/2000م انتخب السيد الدكتور بشار الأسد رئيساً للجمهورية حيث تستمر دمشق هذه المدينة العربية الخالدة تخطو نحو غد أكثر إشراقاً متمسكة بأصالتها وعراقتها وتقاليدها محافظة على أوابدها وآثارها متابعة لمسيرة التطور.
إنها المدينة التي تمثل الشرق العربي بقديمه وحديثه وتنعم بحب كل عربي بل بحب كل زائر لها إنها المدينة التي تمثل حضارة الإنسان عبر عصور التاريخ إنها مدينة السحر والحضارة والجمال.

ليست هناك تعليقات: